الخميس، 15 أكتوبر 2015

حياة البرزخ معلومات جميلة

سفـــر فـي عالـم الــــــبرزخ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
البرزخ: ما بين كل شيئين، وفي الصحاح: الحاجز بين الشيئين. والبرزخ: ما بين الدنيا والآخرة قبل الحشر من وقت الموت إلى البعث، فمن مات فقد دخل البرزخ. والبرازخ جمع برزخ، وقوله تعالى ( بينهما برزخ لا يبغيان ) يعني حاجزاً من قدرة الله سبحانه وتعالى، وقيل: أي حاجز خفي، وقوله تعالى: ( وجعل بينهما برزخاً ) أي حاجزاً. إن الحياة البرزخية حياةٌ تتوسط حياة الإنسان في عالم الدنيا و حياته في عالم الآخرة ، و تبدأ الحياة البرزخية من حين قبض روح الإنسان عن بدنه و إيداعه القبر ، و تستمر حتى قيام الساعة.
وهو ليس نهاية حياة الانسان بل هو بداية ومقدمة لحياة ما بعد الموت، لأن الانسان يعيش ومن ثم يموت، ثم يعيش ليموت وبعدها يُـحمل إلـى حياة آخرى فيها يُـحشر.
ولعل أجمل تلك المراحل هي مرحلة البرزخ، حيث يحيا فيها الإنسان حياة طيبة لا نصب فيها ولا جهد ولا تعب ولا عمل، حيث المؤمنون مكرمون معززون متنعمون وكل ذلك بفضل ما عملوا وحصاد ما صنعوا.
فالمؤمن تبدأ حياة عزّه وعلوّ شأنه فهو سيد مطاع، والكافر مخذول مدحور ذليل حقير حيث تبدأ بموته آلمه وتشرع حياة الذل والهون عنده. فقد بات عبداً لا حول ولا قوةُ يعذب فيتألم ويحاسب فيعاتب ويعاقب.


سنتطرق في سفر في عالم الحساب والميزان والصراط:
* سفر في عالم الموت.
* سفر في عالم البرزخ وعذاب القبر.
* سفر في عالم الحساب والميزان والصراط.

أصل الروح ومراحل خلق الجسد
الإنسان ومنذ وجوده على سطح الأرض يسأل نفسه مرات ومرات لماذا خُلقنا؟ ولأي شي وجدنا؟؟
خلقنا سبحانه وتعالى للإمتحان وللبلاء لقوله تعالى: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) وأسباب وجودنا هنا لنعبده ولا نشرك به وبعبادته أحداً لقوله تعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )، ولكن الحياة محفوفة بالصعاب والمشاكل ودروبها صعبة المسالك فيجاهد الإنسان نفسه طيلة فترة حياته ليكون بعد ذلك أمام كتاب وحساب.
وللحديث عن البرزخ وعذاب القبر سفر طويل لا ينتهي، حيث الفترة التي يحياها الإنسان في البرزخ أطول وأكبر من حياة الدنيا. لذا لابد من التزود لهذا السفر الطويل بالصبر لأنه فيها مغنم والربح لمن إعتبر وصبر.
وقد قدر الله لنا الموت في قوله تعالى: (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين )، تدبير أمر الخلق بجميع شؤونه وخصوصياته من لوازم الخلق، بمعنى إفاضة الوجود فبوجود الانسان المحدود بأول كينونته إلى آخر لحظة من حياته الدنيا بجميع خصوصياته التي تتحول عليه بتقدير من خالقه عزوجل. فموته أيضاً كحياته بتقدير منه.


كيفية صعود الروح إلـى بارئها
الصعود شيئ طبيعي للإنسان حيث تركبه من الطبقة العلوية وهي الروح والسفلية هي الجسد، فإن الروح لا ترتاح ببعدها عن االطبقة المخلوقة منها فترة كبيرة بل تحتاج إلـى زيارات ولقاءات بين الحين والأخرى، لأن البعد يسبب مباينة وبالتالي يتسبب بهلاك الروح وانعدمها. والله سبحانه وتعالى جعل للروح فترات وأوقات خاصة تقوم بها لزيارة طبقتها وأما كيفيتها فهي تنقسم إلـى ثلاثة:
القسم الأول: النوم، فالنفس تقوم بزيارة تلك الطبقة العلوية عن طريق النوم حيث لا يمكن ذلك إلا من خلاله، لأن الروح بعدما جعلت في الجسد ابتعدت عن مكانها فلم تعد قادرة على الرجوع إليه إلا بالموت. أما الوصول إليه والرجوع منه غير ممكن إلا بسلطان وهو النوم، فتقوم الملائكة بأخذ النفس حالة النوم لتطوف بها في عالمٍ جديد قريب من أصل منشئها لتأنس وتفرح به وتتزود منه ويمكن أن نطلق عليه ( عالم البرزخ ).
القسم الثاني: وهو الكشف، وهو عبارة عن طواف الروح في ذلك العالم حال الوعي واليقظة والالتفات. وهذه لا تتم إلا لإهل العرفان وأصحاب الرياضيات الروحية والأتقياء من علماء وغيرهم لإصحاب المكاشفات والسالكين بالطرق الروحية الصحيحة المتبعة والمروية عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فمثل هؤلاء تطوف أرواحهم وهي في أبدانهم في عالم الأرواح، ويتنقلون بزيارات ذلك العالم وهم معنا بأبدانهم وحضورهم.
القسم الثالث: وهو الوحي، فهو لخصوص المعصومين من أنبياء الله وأئمة وأوصياء وخلفاء الله سبحانه وتعالى، فهؤلاء يقومون بهذه العملية من خلال الاتصال المباشر مع الله أو من خلال الملك الموكل( الروح الأمين) أو روح القدس أو غيرهم من ملائكة الله عزوجل وكل ذلك يتم حال اليقظة.
ولكي ننال الطريقة المثلى ونحصل الغاية القصوى في تغذية الروح من العالم الآخر، لابد من أن نحمل معنى طهارة القلب. وهذا لا يتم إلا بالالتزام بآداب النوم من التسبيح والإستغفار وغيرها قبل النوم، ومن الطهارة البدنية من تحصيل الوضوء أو الغسل، حتى إذا طافت الروح كانت مرتاحة في تنقلاتها في الرحلة إلى عالم البرزخ المؤقت أو في سفرتها المختصرة إلى عالم الغذاء الروحي في ليلة أو بعض الليلة.


عذاب القبر أول العذاب
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( أني كنت لأنظر قبل النبوة الإبل والغنم وأنا أرعاهما، فكنت أنظر إليها وهي ترعى وما حولها شيئ يهيجها حتى ترعى فتطير )، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في وصفه للطيور : (..... وهي متمكنة في المكينة وما حولها شيئ يهيجها حتى تذعر فتطير، فأقول ماهذا وأعجب، حتى جائني جبرائيل فقال: إن الكافر يُـضرب ضربة ما خلق الله شيئاً إلا سمعها، ويذعر لها إلا الجن والإنس).
هل عدم الدفن يُـنجي من عذاب القبر؟؟
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر.....)
مما جاء في تأويلات هذا الحديث وتفسيراته هو المراد أنهم:
* لو أسمعهم أصواتهم لم يدفنوا ميتهم، ليسلم من عذاب القبر حسب تصورهم. لكن يرد عليه أن المؤمن ينبغي أن يعتقد حصول العذاب لأهله المقصرين ولو كانوا في حواصل الطيور وفي بطون السباع وأعماق الحيتان.
* أنهم لو سمعوا أصوات مواتهم لكانوا هربوا عن كل ميت لعدم طاقتهم على سماع عذابه فلا يدفنونه إذا العذاب يحصل لأهله عقيب موته بغير فاصلة.
قضايا كثيرة تحصل للأموات في قبورهم من شدة ما عملوا في الحياة الدنيا وأما ما ينتظرهم من عذاب في الحياة الآخرة وما سيكتب لهم في الكتاب فأكثر وأكبر، فمرتكب الصغيرة من المؤمنين يختلف عذابه عن عن مرتكب الكبيرة، ومرتكب الكبيرة يختلف عذابه عن مرتكب الكبيرة من قطيعة الرحم ، وشرحه في الإختلاف بين مرتكب الزنا والنميمة والبهتان وهكذا بقية المعاصي.
خلاصة: أنه يُـفرش للكافر لوحان من نار، فيشتعل عليه قبره بهما كما يشتعل التنور، فإذا شاء الله سبحانه أن يُـطلع على ذلك بعض اطلعه وغيبه عن غيره. إذ لو أطلع العباد كلهم لزالت كلمة التكليف والإيمان بالغيب ولما تدافن الناس.


أقسام عذاب القبر وأنواعه

منكر ونكير... بداية العذاب: من الأمور التي يتعذب منها العبد في القبر، طريقة الحساب وصفة ملائكة الحساب منكر ونكير وثقلهما، كما وأن ليس لمنكر ونكير صورة خاصة وشكل خاص بهما، إنما أعمال الإنسان تشكلهما لأن الصورة هي التي تأتي بالشيئ من خلال الفكر والتصور. فإن للتوهم الذي يمكله الإنسان قدرة هائلة على تخيل الأشياء وتوهمها إلى درجة عالية وهذا ما يصطلح عليه علماء النفس بالمرض النفسي والإزدواجية في الشخصية والإنفصام وغيرهما من الأمراض النفسية سوى نذر يسير من هذا المدعى، وقد ذهب علماء النفس إلى أبعد من ذلك حيث قالوا أن الأمراض الجسدية التي تصيب الإنسان ليست سوى مسببات لأمراض النفس والروح وما تعتريهما. والتلاعب بالصور من هذا الباب لأنه أسهل فالعمل الحسن يُـحسّن صورة الملكين عند الحساب، والعمل السيئ يُـريه صورتهما المرعبة التي يخاف منها الإنسان ويفزع.
رائحة روح الميت: إن لروح المؤمن الميت رائحة طيبة كما كانت في الحياة الدنيا ولروح الكافر رائحة نتنه كما كانت عليه في الدنيا، حيث تتمثل أعمل كل واحد منهما بعد الموت عندما ينكشف الغطاء وتزول الغشاوة عن البصر ليصبح حديد فتنعكس أعمال المؤمن روح وريحان تشمها الملائكة وللكافر أعمالٌ سيئة تنعكس على روحه فتخرج منه رائحه نتنه قذرة تشمها الملائكة ومن كشف الله له غطاء ذلك.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا احتضر المؤمن أتته الملائكة بحريرة بيضاء فيقولون: أخرجي أيتها الروح الطيبة راضية مرضياً عنك إلى رَوْح وريحان، وربّ غير غضبان فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى أنه ليناوله بعضهم بعضاً، حتى يأتوا به باب السماء، فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جائتكم من الأرض، فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحاً به من أحدكم بغائبه يُقدم عليه، فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ قال: فيقول: دعه يستريح فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قال: أتاكم، فيقولون: أنه ذهب به إلى أمه الهاوية. وإن الكافر إذا احتضر، أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون، اخرجي مسخوطاًُ عليك إلى عذاب الله، فتخرج كأنتن روح جيفة حتى لو يأتو به باب الأرض فيقولون: فما أنتن هذه الروح حتى يأتوا به أرواح الكفار).
مما جاء في صفات ملائكة العذاب أن مع كل من الملكين عاموداً من نار لو أراد الجن والإنس أن يحركوا طرفه لما قدروا عليه، وينادي من جانب القبر: اضرباه بمقمعة من حديد، لو اجتمع الخلائق كلها لم ينقلوه، ولعل الآية تشير إلى هذا المعنى، في قوله تعالى: ( هذان خصمانِ اختصموا في ربهم فالذين كفروا قُـطِّـعت لهم ثيابٌ من نار يُصَـبُّ من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقمع من حديد). سورة الحج ( 9 / 12 )
بالطبع السفود والمقمع تستعمل في الحساب فيعذب عندها ويتألم، وأما في عذاب البرزخ فأكثر من ذلك بكثير وأعظم منه في عذاب جهنم العذاب الأبدي فأشكال العذاب كثيرة وألوان عديدة ومحطات ذلك لا تعد ولا تحصى.


أسباب وعلل عذاب القبر

إن عذاب القبر سلاح ذو حدين:
الحد الأول: فهو للكافر عذاب عما ارتكب في جنته الدنيوية وعواقب عما أقدمت عليه يداه من قذارة أعماله وحق على الله تعذيبه.
الحد الثاني: فذات حد حيث هو شفاء ودواء لفسقة المسلمين والمقصرين فيُـعذب في قبه لأجل أن يتطهر حتى إذا ما وصل إلى جردة الحساب يوم الحساب كان كتابه نظيفاً نقياً، يستحق بما يحمله بيمينه دخول جنة النعيم، أي القبر مصفّـى ومطهر للذنوب والمعاصي التي يرتكبها الإنسان، وهو غاية العطف والرحمة الربانية حيث الرأفة من الله تعالى على الناس.

شفافية البرززخ وعذاب القبر: لمحطة الثانية للإنسان قبل يوم القيامة هي البرزخ، والبرزخ هو مرحلة ما بعد الحساب ( مرحلة القبر) وما بعدها من تطورات تطرأ على سير حياة العبد بعد الموت، أو بعبارة ثانية الحياة الثانية للإنسان بعد حياة الدنيا هي ما تسمى البرزخ.
إن حياة البرزخ تختلف بالنسبة للإنسان بين حياة المؤمن وحياة الكافر وليس على حد سواء، بل معادلة ملائكة القبر منكر ونكير وأشكالهما تختلف عند حساب المؤمن وحساب الكافر.
قال تعالى: ( ومن ورائهم برزخٌ إلـى يوم يبعثون ) سورة المؤمنون (100 )
القبر وإن له فيه لمعيشة ضنكاً وإن القبر لروضةٌ من رياض الجنان أو حفرةٌ من حفر النيران.

علل وأسباب الوضوء
جاء نفرٌ من اليهود إلـى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألوه عن مسائل وكان فيما سألوه: أخبرنا يامحمد لأي علة تتوضأ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد؟؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لما أن وسوس الشيطان إلى آدم ودنى من الشجرة فنظر إليها فذهب ماء وجهه، ثم قام ومشى إليها وهي أول قدم مشت إلى الخطيئة، ثم تناول بيده منها ما عليها وأكل فتصاير الحلي والحلل عن جسده فوضع آدم يده على أم رأسه وبكى، فلما تاب الله عليه فرض الله عليه وعلى ذريته تطهير هذه الجوارح الأربع. فأمر الله تعالى بغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة، وأمر بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول بهما، وأكر بمسح الرأس لما وضع يده على أم رأسه، وأمر بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة، ثم سن على أُمتي المضمضة لنقي القلب من الحرام، والإستنشاق لتحرم عليه رائحة النار ونتنها.
قال: يامحمد فما جزاء عاملها؟؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أول ما يمّـس الماء يتباعد عنه الشيطان، فإذا تمضمض نوّر الله قلبه ولسانه بالحكمة، وإذا استنشق أمنه الله من النار ورزقه رائحة الجنة، وإذا غسل زجهه بيض الله وجهه يوم تبيض وجود وتسود وجوه، فإذا غسل ساعديه حرّم الله عليه أغلال النار، وإذا مسح رأسه مسح الله عنه سيئاته، وإذا مسح قدميه أجازه الله على الصراط يوم تزل فيه الأقدام.




القبر والمسكن والبرزخ مترادفات
يعتبر القبر أول بيت تسكنه الروح بعد الموت.. وأول خطوة يخطوها الإنسان نحو الآخرة وأول دار تستقر فيه قدم الميت قبل الحشر والحساب، لذا إن كان مؤمناً كان روضة من رياض الجنة، وأما دار المجرمين الكافرين والفسقة من المسلمين، فهو دار البوار أي حفرة من حفر النيران.
قال - صلى الله عليه وسلم -: ( إن القبر أول منازل الآخره، فإن نجى منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه وأصعب).
كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ( أشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات، الساعة التي يعاين فيها ملك الموت، والساعة التي يقوم فيها من قبره، والساعة التي يقف فيها بين يدي الله عزوجل فإما إلى الجنة وإما إلى النار).
سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أول ملك يدخل في القبر قبل منكر ونكير؟؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ( ملك يتلألأ وجهه كالشمس اسمه رومان، يدخل على الميت ثم يقول له: اكتب ما عملته من حسنة ومن سيئة.
فيقول: بأي شيئ أكتب أين قلمي ودواتي ومدادي؟ فيقول له: ريقك مدادك وقلمك إصبعك، فيقول: على أي شيئ أكتب وليس معي صحيفة؟ يقول: صحيفتك كفنك، فأكتب فيكتب ما عمله في الدنيا خيراً، فإذا بلغ سيئاته يستحي منه، فيقول له: يا خاطي ما تستحي من خالقك حين عملتها في الدنيا فتستحي الآن؟ فيرفع الملك العمود ليضربه،فيقول العبد: ارفع عني حتى أكتبها، فيكتب فيها جميع حسناته وسيئاته، ثم يأمره أن يطوي ويختم، فيقول له: بأي شيئ أختم وليس معي خاتم؟ فيقول: اختمه بظفرك وعلقه في عنقك إلى يوم القيامة).
كما قال تعالى: ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشورا، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) سورة الإسراء آية رقم (13 / 14)


الأعضاء والجوارح تشهد علينا

تشير الآية القرآنية على أن الأعضاء البشرية تستنطق في القبر وتقر بما أمرت أن تفعل كما في قوله تعالى: ( يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانو يعملون ) سور النور آية رقم: (24)
وفي موضع آخر: ( كتابٌ مرقوم يشهده المقربون ) سورة المطففين آية رقم: (20)
وهذا ما يكتبه بيده، وتشهد عليه جوارحه، ولا يبقى عذر لمن يعتذر ولا حجة لمن يحتج وتعاد الشهادة والإقرار من الجوارح والأعضاء ثانية يوم القيامة يوم الحساب.
إن فترات العذاب كثيرة ولا تقف عند حد ، لأن تصفية المؤمن المقصر من آثار المعاصي تحتاج إلى فترة وقد لا تكفي فترة حياة الدنيا في ذلك؛ فتجري في مرحلة أخرى هي فترة البرزخ أولها الموت وسكراته وتمر بها فترة الحساب وطريقته.


للقبر أحداث مرعبة أولها الضغطة
قد سمعنا الكثير من القصص والحكايات عن القبر وعذابه وضغطته، لم يرد تفصيل ألينا عن ضغطة القبر فجهلنا كيف هي؟ وبأي طريقة تتم؟ خصوصآ أن الجسد لن يكون له أثر ولا شعور ولا أحساس، إنما ينتهي يزول ويتجزأ وتتبعثر جميع أجزاءه، حتى لا يبقى شي على حاله، إنما الباقي هو الروح والجوهر. عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( هذا الذي تحرك له العرش وفتحت له أبواب السماء وشهد له سبعون ألفآ من الملائكة لقد ضم ضمه ثم فرج عنه).


الملائكة النقالة ودورها بعد الموت

قسَم الله سبحانه وتعالى الملائكة إلى أقسامٍ متفاوتة وأنواعٍ مختلفة حسب ما ورد في الكتاب والسُّنة:
قال تعالى: ( جاعلِ الملائكةِ رسلاً أولي أجنحةٍ مثنى وثلاثٍ ورباع) ومنهم الأكابر الأربعة جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل.
جبرائيل: هو صاحب الوحي وروح القدس وروح الأمين ينصر أولياء الله ويقهر أعدائه.
ميكائيل: هو صاحب الأرزاق والأغذية.
إسرافيل: هو صاحب الذي قال الله سبحانه وتعالى عنه: ( ونفخ في الصور).
عزرائيل: هو ملك الموت الموكل بقبض الأرواح الذي قال تعالى عنه: ( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكّل بكم).




القلب صفحة بيضاء
إن القلب مثاله مثال المرآة تترائ فيها حقايق الأمور، وإن كل ما قدره الله تعالى من ابتداء خلق العالم إلى آخره مسطور، ومثبت في خلق خلقه والله تعالى يعبر عنه تارة باللوح المحفوظ وتارة بالكتاب المبين وأخرى بإمام مبين كما ورد في القرآن الكريم، واللوح في مثال كمرآة ظهرت فيه الصور، فلو وضع في مقابلة المرآة مرآة أخرى لكانت صورة تلك المرآة تترائ في هذه، إلا أن يكون بينهما حجاب.
فالقلب مرآة تقبل رسوم العلوم، واللوح مرآة رسوم العلوم كلها، والعلوم كلها موجودة فيه، فإن هبت ريح حركت هذا الحجاب ورفعته تلألأ في مرآة القلب شيئ من عالم الملكوت كالبرق الخاطف.

أصل النوم وحقيقته
لا معنى آخر للنوم سوى أن تركد الحواس عليه. فلا توردعلى القلب فإذا تخلص منه ومن الخيال وكان صافيا في جوهره، ارتفع الحجاب بينه وبين اللوح المحفوظ فوقع في قلبه شيئ مما في اللوح.
إلا أن النوم مانعٌ لسائر الحواس عن العمل وليس مانعاً للخيال عن عمله وتحركه، فما يقع في القلب يتدبره الخيال فيحاكيه بمثال يقربه، وتكون المتخيلات أثبت في الحفظ من غيرها، فيبقى الخيال في الحفظ فإذا انتبه لم يتذكر الخيال.
إن النوم والموت توأمان، حيث عدم وجود فرق بينهما بدليل قوله تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويترك الأخرى إلى أجل مسمى) سورة الزمر (42)
التوفي قبض الشيئ على الإيفاء والإتمام، يقال: توفيت حقي من فلان واستوفيته. فأراد الله سبحانه وتعالى الإخبار أن للنفس حالتين:
الحالة الأولى: ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) بالقبض والإيفاء إليه وهي ما تسمى عندنا بالموت.
الحالة الثانية: ( والتي لم تمت في منامها ) أي أن لهذه النفس قبض وإيفاء فلا فرق بين الحالتين حينئذ إلا بقوله تعالى: ( فيمسك التي قضى عليها الموت ويترك الأخرى إلى أجل مسمى ) أي فيحفظ النفس التي قضى عليها بالموت ولا يردها إلى بدنها فتموت وأما الأخرى فيرسلها إلى بدنها إلى أجل مسمى تنتهي إليه الحياة حيث لم يقض عليها الموت، وهذا هو النوم.



أمور تنفع الأموات
كثيرة هي الأعمال التي تنفع الموتى ولا حد لكثرتها من حيث أن الدنيا مرزعة الأخرة كـ:
1. إن لشهادة المؤمنين منفعة عظيمة للميت، إن شهدوا له بالخير والصلاح حيث أن الله سبحانه وتعالى جعل للمؤمنين عنده منزلة خاصة ووضع مميز يجيز من يجيزون ويدخل في رحمته من يقرون،
والشهادة تنقسم إلى قسمين:
* شهادة المؤمنين للميت الشفوية: وهذه مكانها الصلاة كما جاء في الصلاة على الميت في التكبيرة الأخيرة ( اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيراً وأنت أعلم به منا).
* شهادة المؤمنين المكتوبة: أي يشهدون للميت بالخير والصلاح.
2. تلقين الشهادتين حال الاحتضار أو حال الموت ضروري.
والشهادتين تنقسم إلى قسمين:
* الشهادة الأولى: للمحتضر، وهي تلقن للحي حال الاحتضار حتى يموت مسلماً.
* الشهادة الثانية: شهادة الميت، وهي تنقسم إلى ثلاث أقسام:
الأولى: تلقين الميت الشهادة في البيت حالة كونه مسجى على فراشه قبل دفنه في بيته.
الثانية: تلقينه إياه في قبره قبل طمره ودفنه.
الثالثة: تُلقن للميت بعد دفنه وذهاب الناس عنه.
3. قرآءة القرأن له أثر عظيم وكبير يعود بالنفع على الميت.
4. الولد الصالح والصدقة وعمل الخير، كل ذلك يستفيد منها الميت.
5. قضاء الديون والترحم على الأموات







في النهاية رحلتنا فلِنتّحذر من الدنيا وما فيها فإنها دار زوال وإنتقال، تنتقل بأهلها من حالٍ إلى حال
قد أفنت القرون الخالية والأمم الماضية الذين كانوا أطول أعماراً وأكثر آثاراً، أفنتهم أيدي الزمان وأحتوت عليهم الأفاعي والديدان، أفنتهم الدنيا فكأنهم ما كانوا لها أهلاً ولا سكاناً، قد أكل التراب لحومهم وأزال محاسنهم وبدد أوصالهم وشمائلهم وغير ألوانهم وطحنتهم أيدي الزمان.

أن الدنيا قصيرة زائلة فانية، يعيش فيه الإنسان بجسده وروحه. والجسد هو ذلك المركب الذي تعتليه الروح ليستطيع أن يخوض في بحر حياة الدنيا.. وبدونه يبقى الإنسان على ساحل اللاوجود الدنيوي، لذلك يلزم الحفاظ على الجسد من أي صدأ أو إهتراء يكون السبب المباشر لإغراق الروح حيث يفترض المحافظة عليها وحمايتها من أي خلل خارجي.
هذه هي الدنيا.. أما البرزخ فهو عالم آخر وحياة أخرى - مدتها أزيد وفترتها أطول - يستنفذ فيها المرء ما حَمَلْ ويصرف فيها ما عمِل.. هو عالم التسامي والترفع عن ذلك العالم الدنيوي التي تتصارع فيه الأرواح وتصطدم فيه المصالح والشهوات.
الدنيا دار مقر ودار امتحان، والبرزخ دار بقاء ودار سعادة للإنسان المؤمن، ولذلك وجب علينا جني الزاد والؤن كي نستعد لسفرٍ طويل لا عودة بعده، فلنتدارك ما بقي من أعمارنا بصالح الأعمال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق